تعدد المشاريع السياسية وأثره على استقرار الدول "دروس من الواقع العربي والعالمي "

- 18 أبريل, 25
كتب / شلال بن سبعة.
في الدول المستقرة يوجد دائماً مشروع سياسي وطني موحد يشكل القاعدة التي تنطلق منها النقاشات والاختلافات ولكنه يظل الضامن الأساسي للأمن والاستقرار فالاختلاف داخل هذا الإطار أمر صحي وطبيعي ، لكن الخطر يكمن حين تغيب هذه القاعدة المشتركة وتظهر مشاريع متضاربة تتنافس على السلطة وتتنازع على مصير الوطن وغالباً ما يكون ذلك مدخلاً للفوضى والصراعات المسلحة.
تاريخياً الدول التي شهدت تعددا في المشاريع السياسية خاصة إذا كانت هذه المشاريع مدعومة من قوى خارجية عانت من عدم الاستقرار ومن تدخلات أجنبية عمقت الأزمات وفي مثل هذه الحالات لا يوجد منتصر حقيقي لأن النتيجة النهائية تكون دائما المزيد من الانقسام والتشرذم حتى يعي الجميع أن لا مخرج إلا عبر الالتفاف حول مشروع سياسي موحد يعيد بناء الدولة من جديد.
أمثلة من الواقع العربي المعاصر
لنأخذ الحالة السورية كمثال واضح على تداعيات تعدد المشاريع لأكثر من عقد عاشت سوريا حالة من الصراع المزمن، نتيجة لتنافس أربعة مشاريع رئيسية:
مشروع النظام بقيادة بشار الأسد.
مشروع المعارضة المسلحة.
المشروع الكردي.
مشروع التنظيمات المتطرفة، مثل تنظيم القاعدة الذي رفع شعار "الخلافة الإسلامية".
هذا التنازع أدى إلى تدمير الدولة وتشريد الملايين وتحويل سوريا إلى ساحة لصراعات إقليمية ودولية ومع ذلك بدأت في الفترة الأخيرة مؤشرات لعودة الوعي الوطني حيث بدأ الشعب السوري يدرك أن الحل لا يكون في تعدد المشاريع بل في الوحدة حول مشروع سياسي جامع، مدعوم بالشرعية يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار ونتيجة لذلك بدأت الدولة تستعيد جزءا من استقرارها وتعيد بناء علاقاتها مع محيطها العربي والإقليمي.
في ليبيا تتكرر المأساة ذاتها ولكن بشكل أكثر تعقيداً الصراع بين حكومتين متنافستين وتعدد المليشيات المسلحة، وتدخلات أجنبية متعددة الأطراف جعل من ليبيا واحدة من أكثر الدول العربية هشاشة بعد 2011.
وعلى الرغم من الثروات الطبيعية الهائلة التي تمتلكها لم تتمكن ليبيا من استثمارها بسبب غياب المشروع الوطني الجامع.
البلاد لن تستعيد عافيتها إلا إذا تجاوزت كل الأطراف حساباتها الخاصة وقدمت تنازلات حقيقية وتوافقت على مشروع سياسي يضع "ليبيا أولاً"، بعيداً عن الإملاءات الخارجية.
الوجه الآخر: تجارب دول نجحت في توحيد مشروعها الوطني
في المقابل هناك تجارب ناجحة لدول عانت من حروب أهلية وصراعات سياسية مريرة لكنها استطاعت تجاوزها من خلال توحيد مشروعها السياسي:
رواندا: بعد الإبادة الجماعية في 1994 بين الهوتو والتوتسي، تولت الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة بول كاغامي الحكم وطرحت مشروعاً سياسياً وطنياً جامعا التف حوله الجميع فحققت البلاد الأمن والاستقرار والتنمية.
جنوب إفريقيا: بعد عقود من التمييز العنصري اختار طريق المصالحة والتوافق الوطني بقيادة نيلسون مانديلا.
ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية رغم الدمار الشامل، أعادت بناء نفسها عبر مشروع موحد بعيداً عن أي استقطاب داخلي.
إندونيسيا رغم تنوعها الديني والعرقي الكبير استطاعت أن تخلق هوية وطنية جامعة فنجحت في تجاوز الفوضى نحو الاستقرار.
الخلاصة
الدرس واضح: لا يمكن لأي دولة أن تنهض أو تستقر في ظل تعدد المشاريع السياسية المتصارعة نحن بحاجة إلى مشروع وطني جامع قيادة موحدة وتوافق صادق يضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى الخلافات السياسية لا يجب أن تتحول إلى نزاعات وجودية تسقط الدولة وتقسم المجتمع.
وعلينا الحذر من الوقوف مع مشروع مضاد للمشروع الوطني بدافع الانتقام أو لأسباب شخصية لا يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والمعاناة.
ولنعلم أنه كلما طال زمن التشتت زادت كلفة العودة وتعقدت الأوضاع أكثر.
ختاماً:
الوطن يحتاج إلى وحدة صف ونضج سياسي ووعي وطني يعلو فوق المصالح الشخصية ولو مؤقتاً وحدة المشروع الوطني الشامل هو القادر على إخراجنا مما نحن فيه وإعادة بناء دولتنا ومجتمعنا على أسس قوية ومستقرة.
ترك الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة بعلامة *