أخبار عاجلة

أبعاد وأهمية زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني إلى موسكو في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة

top-news
  • احقاف/ مقالات
  • 06 يونيو, 25

كتب / مراد باعلوي 



في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، تبرز زيارات القادة السياسيين بوصفها أدوات دبلوماسية تعكس توجهات الدول الاستراتيجية ومصالحها الجيوسياسية. وفي هذا السياق، شهدت العاصمة الروسية موسكو أواخر الشهر الماضي زيارة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد محمد العليمي بعد تلقيه دعوة رسمية من الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين، هذه الدعوة تحمل في طياتها دلالات سياسية وابعاد استراتيجية وهو ما انعكس على نوعية الاستقبال الذي حظي به الرئيس العليمي وبرنامج الزيارة الذي التقى فيه بعدد من كبار المسؤولين الروس وفي مقدمتهم الرئيس الروسي بوتين. وتوجيه الأخير دعوة رسمية له للمشاركة في القمة العربية–الروسية المقرر انعقادها في موسكو خلال أكتوبر المقبل. حيث التقى الرئيس العليمي برئيس مجلس الدوما الروسي ڤيتشيسلاف ڤالودين وبحسب السكرتير الصحفي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف فأن رئيس مجلس الدوما أعرب عن استعداد الروس لمشاركة خبراتهم في التشريع بشأن القضايا التي تهم زملائهم اليمنيين. كما عقد العليمي جلسة حوارية في الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية وقام بتكريم رئيس المعهد ڤيتالي ناؤمكين بوسام الاستحقاق في الآداب والفنون وذلك تقديراً وعرفاناً لإسهاماته ودوره البارز في الدراسات المعمقة للشؤون اليمنية والعربية، بما في ذلك توثيق التراث الشفهي واللغوي لسكان جزيرة سقطرى.

العلاقات اليمنية–الروسية مرت بمحطات تاريخية متعددة، تميزت بالتنوع بين البعد السياسي والدعم التنموي والتعاون العسكري. إذ تعتبر اليمن واحدة من أوائل الدول العربية التي تقيم علاقات رسمية مع الاتحاد السوفيتي، والحديث هنا عن اتفاقية الصداقة والتعاون بين الاتحاد السوفيتي والمملكة المتوكلية اليمنية الموقعة في نوفمبر ١٩٢٨م، ثم بعد ذلك العلاقات بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في ستينيات القرن الماضي حيث تبنى الجنوب اليمني التوجه الاشتراكي. ثم طورت لاحقاً العلاقات مع الجمهورية العربية اليمنية في الشمال. وتميزت العلاقات آنذاك بالدعم العسكري والاقتصادي، كما لعب الاتحاد السوفيتي دوراً محورياً في تدريب الكوادر العسكرية اليمنية، وبناء مؤسسات مدنية وتعليمية، لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم. وبعد الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠م، استمرت العلاقات بوتيرة ثابتة، وشهدت تفاهمات في ملفات سياسية واقتصادية متعددة، رغم تعثر بعض المشاريع بسبب عوامل داخلية وخارجية.

وخلال محادثات الكرملين تطرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي يبلغ حالياً حوالي ٤٠٠ مليون دولار، وأكد على أن هذه الزيارة يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي، خاصة في مجالات مثل: الطاقة، البنية التحتية، الزراعة، الاصطياد السمكي.
وبالعودة للحديث عن الزيارة وأهميتها فهي تعد إشارة واضحة إلى تنامي الاهتمام من قبل روسيا بالملف اليمني، وهو ما يعكس رغبة موسكو في لعب دور أكثر تأثيراً في توازنات الشرق الأوسط ولإعادة التموضع فيه، لا سيما بعد خسارة روسيا لحليفها في المنطقة بشار الأسد. فروسيا تنظر إلى اليمن كجزء من استراتيجية أوسع لتعزيز تواجدها في نقاط ارتكاز جديدة في البحر الأحمر وخليج عدن، وهي مناطق ذات أهمية استراتيجية للتجارة العالمية وطرق إمداد الطاقة. كما حاولت روسيا من خلال هذه الدعوة اظهار دورها كفاعل محايد ومقبول في الصراعات الإقليمية. ووفقاً للخبير في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية غريغوري لوكيانوف فإن روسيا لم تربط نفسها قط بأي طرف من أطراف النزاع بين الحكومة اليمنية المتمركزة في جنوب البلاد والحوثيين الذين يسيطرون على الشمال والعاصمة صنعاء. وأضاف الخبير أن المجلس الرئاسي الذي يسيطر بشكل رئيسي على جنوب اليمن وعدن برئاسة رشاد العليمي، هو الذي قدم إليه السفراء والدبلوماسيون الروس أوراق اعتمادهم وهذه هي الحكومة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي.

أهمية هذه الزيارة مرتبطة أيضاً بالسياق الجيوسياسي الأوسع، في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وبدء المشاورات المباشرة بين كييف وموسكو في اسطنبول، وسعي روسيا لإيجاد توازنات جديدة مع دول العالم العربي. لكن من وجهة النظر اليمنية، فإن هذه الزيارة تمثل تحركاً دبلوماسياً لتوسيع قاعدة الدعم السياسي والدولي للشرعية، عبر بوابة شريك دولي دائم العضوية في مجلس الأمن، يمتلك نفوذاً في ملفات متعددة على الساحة العالمية. هذا التحرك يأتي في وقت حساس، يشهد فيه الملف اليمني تعثراً في مسار السلام وتتصاعد التحديات الإنسانية والاقتصادية، وتراجعاً نسبياً في الزخم الإقليمي والدولي وخصوصاً بعد أحداث غزة والتحولات السياسية في سوريا. وتكمن أهمية اللقاء ايضاً في أنه قد يسهم في إعادة ضبط ميزان المواقف الدولية إزاء الملف اليمني.
وأضاف لوكيانوف "أن حركة الحوثيين الموالية لإيران، والتي تسيطر على شمال البلاد، تُعد إحدى القوى العسكرية والسياسية في اليمن". ويؤكد الخبير في معهد الدراسات الشرقية بأن "روسيا تُحافظ على تواصلها معهم بالقدر اللازم الذي يضمن سلامة الملاحة الروسية في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب. في الوقت نفسه، لطالما كانت روسيا داعمة لحل النزاع داخلياً من قبل القوى السياسية اليمنية، ونأت بنفسها عن أي محاولات لجرها إلى جانب أي طرف". وأختتم لوكيانوف حديثه إلى أن روسيا من المرجح أن تكون مستعدة لتسهيل التسوية باعتبارها عضواً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودولة تتمتع بخبرة دبلوماسية واسعة في هذه المنطقة.

ويمكن القول، بأن زيارة العليمي إلى موسكو تشكل ورقة ضغط جديدة في التوازنات الدولية المتعلقة باليمن. فروسيا، التي لم تصنف جماعة الحوثي كجماعة إرهابية، وتحتفظ بعلاقات هادئة مع مختلف الأطراف، ما يجعلها مؤهلة للعب دور الوسيط في مراحل معينة من مسار السلام. ومن هنا، قد يكون لروسيا دور محتمل في إعادة تنشيط المسار السياسي التفاوضي، بما يخدم الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة.
لذا نعتقد بأن زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي إلى روسيا لحظة سياسية ذات أبعاد استراتيجية، تُمثل استعادة متدرجة لدور اليمن في الحسابات الإقليمية والدولية، وتعكس في الوقت ذاته إدراكاً روسياً بأهمية اليمن في معادلة النفوذ في المنطقة خصوصاً بعد التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر مروراً بتغيير النظام في سوريا وصولاً لاستئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران بشأن برنامجها النووي. وعلى مجلس القيادة الرئاسي أن يستثمر هذه العلاقات للخروج من الأزمة التي تدخل عامها العاشر دون وجود آفاق للحل.

ترك الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة بعلامة *