تراجع الدولار يربك الأسواق رغم صعود عوائد السندات الأمريكية

- 01 يونيو, 25
انهارت العلاقة التقليدية بين عوائد السندات الحكومية الأمريكية وقيمة الدولار، في تطور يعكس حجم القلق المتزايد لدى المستثمرين من تبعات السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فبينما اعتادت الأسواق على ترابط واضح بين ارتفاع العوائد وقوة الدولار، يشهد هذا النمط تراجعًا غير مسبوق في الأشهر الأخيرة.
في السابق، كانت العوائد المرتفعة على السندات – والتي تمثل تكلفة اقتراض الحكومة الأمريكية – تعد مؤشرًا إيجابيًا على قوة الاقتصاد، ما يعزز جاذبية الأصول الأمريكية أمام المستثمرين الدوليين، ويدفع باتجاه ارتفاع قيمة الدولار. غير أن ما حدث في مايو الماضي يُظهر أن هذا التفسير لم يعد ساريًا.
فمنذ إعلان ترامب في أبريل 2025 عن رفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50%، تعرّضت الأسواق لصدمة واسعة، انعكست في تراجع قيمة الدولار بنسبة 4.7% أمام سلة من العملات العالمية، رغم أن عائدات سندات الخزانة لأجل عشر سنوات ارتفعت من 4.16% إلى 4.42%.
وبحسب ما نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” الأحد، 1 يونيو 2025، فقد هبطت العلاقة بين العوائد والدولار إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاث سنوات، ما أثار علامات استفهام حول التوازنات الاقتصادية الأمريكية، ومدى قدرة المستثمرين على الاستمرار في الثقة بالأصول الحكومية الأمريكية.
ويبدو أن السوق لم تعد تفسر ارتفاع العوائد على أنه دليل على قوة الاقتصاد، بل أصبح هذا الارتفاع – في ظل الظروف الحالية – مرتبطًا بتصاعد المخاطر المالية والسياسية. وفي هذا السياق، يقول شهاب جليلنوس، رئيس استراتيجيات العملات لدول مجموعة العشر في بنك UBS:
“في الظروف الطبيعية، تمثل العوائد المرتفعة دليلاً على أداء قوي للاقتصاد الأمريكي، وهو ما يجذب تدفقات رؤوس الأموال… لكن حين تكون هذه العوائد نتيجة تنامي المخاطر، فإنها لا تعزز الثقة بالعملة، بل قد تؤدي إلى تراجعها، وهو ما يُشاهد غالبًا في الأسواق الناشئة”.
ويُعزز هذا التحليل واقعًا ماليًا هشًا، زاد تعقيدًا مع تقدم إدارة ترامب بمشروع قانون ضريبي أثار انتقادات واسعة، بالتزامن مع إعلان وكالة “موديز” خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة. وهو خفض سلّط الضوء على اتساع العجز في الميزانية، وتضاؤل قدرة الحكومة الأمريكية على السيطرة على ديونها، ما زاد من الضغوط على الدولار وقلّص شهية المستثمرين تجاه السندات طويلة الأجل.
وبينما يراقب المستثمرون تحركات الأسواق بعين الحذر، يبدو أن الثقة في النموذج الاقتصادي الأمريكي تمر بمرحلة اختبار صعبة، وسط مخاوف من أن يكون فقدان الترابط بين عوائد السندات وقيمة الدولار إشارة إلى تحول أعمق في النظرة العالمية تجاه الاستقرار المالي للولايات المتحدة.
وتبقى التساؤلات قائمة:
هل تتجه الأسواق نحو نمط جديد من التفاعل مع السياسات الأمريكية؟
وهل يمكن أن يؤدي تكرار مثل هذه الانفصالات إلى هروب الرساميل؟
وهل تدخل الولايات المتحدة مرحلة من التذبذب المالي تتجاوز آثارها حدود الاقتصاد المحلي؟
الإجابات على هذه الأسئلة مرهونة بالتطورات السياسية المقبلة، ومدى قدرة الإدارة الأمريكية على طمأنة الأسواق في ظل سياستها الاقتصادية التي تبدو أكثر تقلبًا من أي وقت مضى
ترك الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة بعلامة *